
د.حميد عبدالله
مثلما لايكون التشيع بريئا في بعض وجوهه وتوجهاته فان التسنن هو الآخر يكون مريبا اذا اتخذ من اجتثاث الآخر سبيلا للازاحة والانتشار ، وبالنتيجة فان كليهما يتبادلان الادوار في لعبة الفعل ورد الفعل!
لا التشيع رسالة يتبناها الشيعة خارج اطار الادلجة والتسييس ، ولا التسنن مشروع يتبناه السنة خارج خطاب الاخونة التدعيش والتوهيب!
دولة اسلامية تقابلها دولة شيعية ، الحكم بما (انزل الله )يقابله الحكم بما (يقره الامام ) ، وفي الحالتين ليس لله علاقة بالدولة التي تتأسس باسمه ، وليس للامام صلة بما يضفى عليه من قداسة وعصمة ، وليس له تفويض لا من الله ولا من رسله وأئمته!
بعيدا عن الخوض في مستنقع الكراهية التي انتجتها النزعات الطائفية على مر التاريخ، فان دعوة الامام زيد بن علي القائلة ب(جواز خلافة المفضول مع وجود الافضل ) لم تنجح في نزع صاعق الفتنة الذي زرعته السقيفة في جسد الامة ، وظل منذرا بتفجير القنابل والعبوات كلما حشد الطائفيون جيوشهم في خندق التزمت والانغلاق ورفض الآخر!
باءت محاولة عباس محمود العقاد بالفشل عندما حاول ان يوحي لطرفي الصراع ( السنة والشيعة) بان الرسول الاعظم ( ص) كان يحب عليا ويحببه إلى الناس لكي يمهد له سبل الخلافة من بعده.
ويرى العقاد ان النبي لم يرد أن يفرض رغبته هذه على الناس، إنما اراد أن يختاره الناس طواعية وحبا ، غير ان المساعي الحميدة للعقاد باءت بالفشل هي الاخرى ، ولم يقبل بها اي من الجانبين.
وحسب الدكتور علي الوردي فان النزاع بين رجال الدين من الشيعة والسنة كان قد بني على أساس قبلي كما يتنازع البدو في الصحراء لأن جوهر الخلاف يدور حول من يمتلك السلطة.
ليس هناك تاريخ واضح ومحدد لزج المؤسسات الشيعية في الشأن السياسي ، فدور الفهاء والمراجع الشيعة ظل مقتصرا على الارشاد والتقليد واصدار المسائل الفقهية التي يحتاجها ( المكلفون) في تأدية عباداتهم ، ومعرفة الواجبات الدينية المترتبة عليهم ، واين يبدأ الحلال واين ينتهي الحرام في المعاملات والممارسات والسلوك ، وكان ثمة شبه اجماع بين مراجع الشيعة على ان الخوض بالشان السياسي ليس من واجبات الفقيه الشيعي والاحوط هو انتظار ظهور الامام المهدي الذي سينزل العدل والحق ، ويكافح الظلم والجور في دولة ( يعز بها الاسلام واهله ويذل بها النفاق واهله ) !!
حسب دعاء الافتتاح الشهير!
من بين العشرات من مراجع الشيعة الكبار لم نجد سوى نفر قليل يدعون الى اقامة (دولة دينية) يحكمها نواب المهدي المنتظر ، وربما كان للسيد الخميني قصب السبق في تبني مشروع ولاية الفقيه التي رسم ملامحها الاولى خلال 13 محاضرة القاها على طلبته في النجف عام 1969 ، ثم اصدرها بكتاب من عدة اجزاء يحمل اسم ( الحكومة الاسلامية و ولاية الفقيه ) اتذكر جيدا ان كتاب السيد الخميني ( الحكومة الاسلامية) كان قد طبع في عام 1970 في مطبعة الغري في مدينة النجف ، ثم نقل عبر دوائر البريد الحكومية الى المساجد والحسينيات في انحاء العراق كافة ، ووزع مجانا من غير ان يثير قلق الاجهزة الامنية ، مايعني ان فكرة اقامة دولة شيعية لم تاخذ ، حتى ذلك التاريخ ، اي مستوى من الاهتمام والجدية لامن ابناء الطائفة الشيعية ، ولا حتى من مؤسسات الدولة الامنية!
في الضفة الاخرى كان سيد قطب قد دعا عبر كتابه الشهير (معالم في الطريق ) الى اقامة دولة اسلامية واصفا الدين الاسلامي بانه ( لايقوم بدون دولة وبدون سلطة ) ووضع للدولة الدينية المطلوبة اركانها بقوله ( ان الدين ليس مجرّد مشاعر وجدانية تعيشُ في الضّمير بلا سلطة وبلا تشريع وبلا منهج محدد ودستور معلوم) اركان الدولة عند سيد قطب هي:
شارك برأيك